كيف بدأ المرض يتسرب الى قداسة البابا كيرلس السادس؟
لقد كانت الأعباء كثيرة على قداسته .. فعاش حياته كلها فى سهر ودموع وصلاة
لم يعرف للراحة طعم .. وكان لا يعطى راحة لجسده .... ومع كل هذا كان زاهدآ جدآ فى مأكله حتى أن الطبيب المعالج كان يستعجب جدآ ، وفى هذا قال د. يوسف منصور : أن كميات الطعام التى كان يتناولها لا تكفى بحاجة جسم صبى صغير
وفى أثناء مرضه كان يصوم صومآ انقطاعيآ لا يأكل الا مرة واحدة عند الغروب .. وفى ليالى الأعياد كان طعامه بعد صلاة قداس العيد لا يمكن أن يزيد بأى حال من الأحوال عن طعام أصغر رهبان الدير
ويذكر شماسه الخاص ..انه فى احدى المرات نهض قداسته من سريره وكان يعانى من ارتفاع فى درجة الحرارة وكانت حرارته 40 درجة .. ومع ذلك قام ليصلى التسبحة اليومية ،وعندما رأنى قلق قال لى : أن الصلاة هى طريقى الى كل شئ
وبعدها مباشرة أنخفضت درجة حرارته
لم يعد هذا الجسد قويآ
++++++++++++++
هذا ما قاله عنه قداسة البابا شنودة الثالث حيث يقول : كان البابا كيرلس لا يعطى راحة لجسده وفكره ... لذلك ما أن مرت عليه ثمانى سنوات فى البطريركية الا وتكاثرت عليه الأمراض ولم يعد هذا الجسد قويآ
كما كان فى أول عهده فالنير الشديد الذى تحمله البابا كيرلس كان عظيمآ وسط تجارب متنوعة وضيقات كثيرة
أمراض كان يتحملها فى صمت عجيب دون أن يشكو لأحد ، كان المرض يهزه هزات تقلق الأطباء المعالجين ومع ذلك لم يتكلم
كان يؤمن بأن الله يستطيع أن يتدخل أكثر من الأطباء ويشفى أكثر من الدواء
وظل البابا كيرلس ساهرآ طيلة حياته على رعيته فى صلاة ودموع وجهاد ... وظل على مدى أربعين عامآ واقفآ على المذبح فى القداس الألهى
وهذا ما أكده قداسة البابا شنودة الثالث حيث يقول : لا يوجد فى تاريخ الكنيسة كله انسان يشبه البابا كيرلس أستطاع أن يقيم مثل كل هذه القداسات ولقد حاولت أن احصى عدد القداسات التى أقامها فى حياته فوجدت أنه قد صلى مايزيد عن 12 ألف قداس
الأيام الأخيرة
++++++++
وهنا ننتقل الى الأيام الأخيرة فة حياة البابا كيرلس وكيف تسرب المرض لقداسته بعد هذه الحياة الحافلة بالجهاد والدموع
لقد تسرب المرض لقداسته بعد أن كثرت عليه الأعباء الكثيرة فى رئاسة الكنيسة .. فأصيب بجلطة فى الشريان التاجى الأمامى
وقد صرح بذلك المقر البابوى فى جريدة الأهرام الصادرة فى 24 أكتوبر عام 1970 م
وكان لهذا الخبر أثر كبير جدآ على كل أبناءه مسيحين ومسلمين ... وبعد هذا الأعلان أرسل الرئيس أنور السادات رئيس الجمهورية نخبة من الأطباء المميزين برئاسة الفريق رفاعى كامل للسهر على علاجه
وقد أمر السيد وزير الصحة بتنظيم ثلاث نوبات من الأطباء الأخصائيين من معهد جراحة القلب والصدر لمتابعة حالته
ووضعت لقداسته الأجهزة التى يتطلبها العلاج ، وكان فريق الأطباء قد طلب منع الزيارة منعآ باتآ حتى يستعيد البابا صحته
وبالفعل.... مرت هذه الأزمة بسلام وقد أعلن الأطباء المشرفون على العلاج أن البابا قد أجتاز هذه الأزمة الطارئة ولكنه يحتاج للراحة مدة أخرى
وفى هذه الفترة كان مهتمآ بالسؤال عن قداسته كل أبناءه من الكنيسة القبطية وجميع الطوائف المسيحية رافعين صلواتهم لله لكى يحفظ لهم راعيهم الأمين
أعباء كثيرة
+++++++
وبالرغم من تشديد الأطباء على الراحة التامة وعدم الزيارات الا أن البابا ظل ساهرآ على رعيته فى تعب وجهاد وكان يستقبل زواره وهو فى عمق الألم
ومع كل هذا كان يستقبلهم بمحبة شديدة ويسمع مشاكلهم ويصلى من أجلهم
ومع تزايد هذه الأعباء تمكن المرض من شرايين القلب وهنا منعه الأطباء من الحركة بسبب تعرضه لأزمات قلبية شديدة
وعاد البابا مرة أخرى للفراش وقد أشرف على علاجه مجموعة من الأطباء الأساتذة وكان من بينهم الدكتور ميشيل جرس الذى كان مقيمآ بالبطريركية
توديع أحباءه
+++++++وفى هذه الفترة علم البابا بساعة رحيله وبدأ يعد نفسه ليودع أحباءه الذين عاش معهم بالجسد ... وكانت كل كلماته فى الفترة الأخيرة كلمات وداع .. فماذا قال؟
أنا مسافر وعايز أشوفكم
+++++++++++++++
تقول أحد الأمهات الفاضلات :" أن قداسة البابا كيرلس قد اعتاد أن يلتقى بى وبرئيسات الأديرة كل يوم سبت وكننا فوجئنا يوم الأثنين 8 مارس بقداسة البابا يتصل ويطلب أن يرانا يوم الثلاثاء 9 مارس وقد أردت أن أعتذر حرصآ منى على صحته
فقلت لقداسته... أننا قد نلنا بركتكم يوم السبت ولكن البابا أصر قائلآ
" أنا مسافر وعايز أشوفكم "
وعندما توجهنا لزيارته كرر نفس الكلام " يا أولادى أنا مسافر " وعندما ألحوا عليه أى جهة سيسافر اليها؟
قال :" المكان اللى هسافر له محدش يقدر يجى فيه دلوقتى ....لكن وديع سيخبركم به " وهنا بكت الأم وعرفت أنه سيسافر للسماء
الرب يدبر أموركم
++++++++++
وفى نفس هذا اليوم أستقبل قداسته خمسين زائر من أبنائه وكان من بينهم القمص يوحنا عبد المسيح راعى كنيسة العذراء بروض الفرج
وكانت كلماته أيضآ كلمات وداع ... وبعد أن باركهم قال لهم
" خلوا بالكم من الكنيسة يا أولاد "
ونظر لأبونا يوحنا وقال :" الرب يدبر أموركم "
هنسافر النهاردة يا عزمى
+++++++++++++++
وبعد لحظات دخل اليه عم عزمى ... قبل أن يدخل اليه د.ميشيل جرس المشرف على علاجه
وكرر قداسة البابا نفس الكلام لعم عزمى السائق الخاص لقداسته وقال له
" احنا هنسافر النهاردة يا عزمى يابنى "
فأعتقد عم عزمى أن البابا سيسافر لدير مارمينا .. فقال له : انت تعبان يا سيدنا اجلها يومين تلاته...... ولكن البابا كرر كلامه :" خلاص يابنى هنسافر النهارده" فأجاب عم عزمى : أمرك يا سيدنا ...وخرج وذهب لمنزله ليعد حقيبة سفره ولم يفهم قصد البابا كيرلس
الساعات الأخيرة فى حياة البابا كيرلس
+++++++++++++++++++++++
وقد روى لنا د.ميشيل جرس أحداث الساعات الأخيرة من حياة البابا كيرلس فى صباح
يوم الثلاثاء 9 مارس 1971م وكان مرافقآ لقداسة البابا كيرلس مشرفآ على علاجه فى هذا اليوم الذى رحل فيه قداسته من عالمنا الفانى
يروى د.ميشيل أحداث هذا اليوم بالتفصيل فيقول
ان قداسة البابا صلى صلاة نصف الليل بقلايته كما صلى صلاة باكر فى الساعة الخامسة صباحآ ثم تابع القداس الذى يقام يوميآ بالكنيسة المرقسية عن طريق سماعة موضوعة بقلايته ... وعند السابعة والنصف صباحآ حاولت اجراء الكشف المعتاد ولكنى لم أتمكن لأنشغال البابا ... فحاولت مرة أخرى فى التاسعة الا ربع ولكن البابا أخذ يستقبل زواره
فأنتهزت الفرصة ودخلت قلايته وجهزت له دواء يوم كامل حتى العشاء ..وبعد انصراف الزوار عدت اليه فى الصالون وسألت عن صحته .. فأجاب بأنه لا يشكو شيئآ
وقلت له انى الاحظ أن قداستك مشرق وبصحة جيدة ..... فشكر الله
كان منشرحآ جدآ
++++++++++
ثم قمت بفحصه فحصآ كاملآ فوجدته على مايرام وكان منشرحآ جدآ ... وأخذ يحدثنى عن عملى وعن عائلتى وسألنى عن تحليل "البصاق" الذى حان موعده وقال نكلم الدكتور لاحضار أنبوبة معقمة ...وحاولت اقناعه بأستخدام أنبوبة عادية بعد تعقيمها بمعرفتى ... فرفض فقمت لأطلب د.رمسيس فرج طبيب التحاليل لاحضار أنبوبة
وقبل أن أدير قرص التليفون تذكرت ان معى رسالة لقداسته من سيدة مريضة فعدت وأبلغته بها وأعطيته الورقة المدون بها الاسم والتشخيص فوضعها فى جيبه ومشيت معه حتى القلاية
اللحظات الأخيرة
++++++++++
ثم عدت أطلب د.رمسيس وقبل أن أطلب منه الأنبوبة جاءنى فهمى (شماس البابا) مسرعآ ومنزعجآ وهو يقول :" سيدنا تعبان" فتركت السماعة دون أن أرد عليه وأسرعت الى قلايته حيث وجدت قداسته جالسآ على الأرض وظهره مستندآ على الحائط ولم يتمكن من الأجابة على أسئلتى
آخر حبة دواء
++++++++
ثم حاولت رفعه عن الأرض فلم أتمكن .. وفى يده وجدت أخر حبة دواء ..كانت أنفاسه مضطربه مع انخفاض النبض والضغط
أعطيته حقنة لعلاج الهبوط المفاجئ وهو فى موضعه ثم رفعته الى السرير أنا وفهمى ، وأستكملت بقية الأسعافات تدليك القلب بعد أن توقف حوالى دقيقة وأجريت له تنفسآ صناعيآ
ولكن لم أشعر بالنبض ولم تصدر منه أى أستجابة .. ولم أصدق أن تكون النهاية بهذه السهولة
فى هذا الوقت توالى حضور عدد كبير من الأطباء الى المقر البابوى ومجموعة كبيرة من أطباء معهد القلب بصحبتهم سيارة مزودة بأجهزة علاج بالصدمات الكهربائية وبعد محاولات كثيرة اكتشفوا أن الحالة ميئوس منها
نياحة البابا كيرلس
+++++++++++
وفى الساعة الحادية عشرة والنصف صباحآ أعلن نبأ وفاة قداسة البابا كيرلس السادس وكان وقوع هذا الخبر كالصاعقة على نفوس أبنائه
وكان الجميع فى حالة زهول وبكاء شديد من هول الصدمة القاسية فقد رحل راعى الكنيسة الذى كان ساهرآ على نفوس أبنائه
وجاء سائق قداسته عم عزمى سائق قداسته وهو يبكى قائلآ
" مكنتش أعرف أنه يقصد هيسافر السماء"
ورجعت الأمهات وهن يتذكرن كلامه عن سفره وأصراره على وداعهم ورؤيتهم وسالت الدموع وحزنت القلوب
الأجراس الحزينة
++++++++++
ودقت أجراس الكنائس الحزينة لتؤكد خبر رحيل قداسة البابا كيرلس ، فأهتزت مشاعر الجماهير مسيحين ومسلمين .. لقد رحل الأب الحنون الذى سهر على نفوس أبنائه ... وأسرعت الجماهير فى سباق الى الكاتدرائية المرقسية والجميع فى حالة زهول من هول الصدمة
وأحتشدت الجماهير حول الكاتدرائية التى اتشحت بالسواد حزنآ على رحيل الراعى الأمين .. وظلت الأجراس تدق دقاتها الحزينة دون توقف فى جميع الكنائس وتقرر الحداد فى كل الكنائس الأرثوذكسية أربعين يومآ
النظرة الأخيرة
+++++++++
فى هذه الأوقات قامت مجموعة من الأطباء بتحنيط جثمان البابا كيرلس ودهنه بالطيب
ثم البسوه ملابسه الكهنوتية وأجلسوه على الكرسى المرقسى فى الكاتدرائية المرقسية بكلوت بك
وظلت الجماهير تتقاطر لتودع راعيها الأمين .. وأحتشدت الألاف أمام الكاتدرائية وتعطلت الشوارع من كثرة الناس وظلوا ساهرين بجوار جثمانه الطاهر وهم فى تأثر شديد وغير مصدقين
وكان من الصعب عليهم أن يحرموا من نبع القداسة الذى أحتضنهم فى حب عجيب
صعب عليهم أن يحرموا من صاحب القداس اليومى وصاحب القلب الكبير
كيف احتملوا أن يروه جالسآ ولا يتكلم معهم؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
نعى الكنيسة
+++++++++
وقد كتبت الكنيسة فى الصحف هذا النعى
تنعى البطريركية القبطية الأرثوذكسية ببالغ الأسف قداسة راعيها الأول مثلث الرحمات وطيب الذكر البابا الأنبا كيرلس السادس بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الذى أنتقل للأمجاد السماوية فى الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم الثلاثاء الموافق 9 مارس 1971 م وتكون مدة رئاسته 11 عامآ و7 شهور و29 يومآ
وقد بذل العاملين بجريدة الأهرام مجهود شديد ... وتوالت الجريدة تنشر نعى قداسة البابا كيرلس لمدة 6 شهور متوالية حتى قيل أن نعى البابا كيرلس كان أكبر وأطول نعى فى تاريخ مصر
وصية البابا كيرلس
+++++++++++
وبعد دفن جثمان البابا كيرلس بجوار القديس مرقس الرسول بالكاتدرائية المرقسية لفترة قصيرة أمر قداسة البابا شنودة الثالث بتنفيذ وصية البابا كيرلس التى تنص على دفنه فى دير حبيبه مارمينا بمريوط
وفى يوم 22 نوفمبر عام 1972م أحتفلت الكنيسة بنقل جسد البابا كيرلس وصلى قداسة البابا شنودة الثالث صلاة رفع بخور عشية ثم قرأ على الجميع الوصية التى كان ملخصها بخصوص هذا الشأن
" أوصى بعد أنتقالى أن يدفن جسدى بالمدفن الذى تحت الكنيسة بدير مارمينا بصحراء مريوط ويدفن بالملابس التى تكون على جسدى ولا لزوم لغيرها
كل من أطلع على هذه الوصية وعثر عليها فلا يخفيها ولا يخالف ما به ومن خالف هذه الوصية يكون محرومآ من فم الثالوث الأقدس الأب والأبن والروح القدس وفم الرسل والقديسين وفم حقارتى ويكون على شمال المسيح وعلى ابن الطاعة تحل البركة"
وفى صباح يوم 23 نوفمبر نقل الجسد المبارك فى احتفال مهيب لدير القديس مارمينا العجايبى بمريوط
وهناك حمله ابنائه بفرح عظيم وطيف به فى الدير ووضع فى مزار خاص
ولازال ابناءه يذهبون اليه فى أفواج لا تنقطع ليتباركوا من جسده الطاهر
بركة صلوات القديس العظيم البابا كيرلس السادس تكون معنا
ولربنا المجد الدائم الى الأبد آمين
لقد كانت الأعباء كثيرة على قداسته .. فعاش حياته كلها فى سهر ودموع وصلاة
لم يعرف للراحة طعم .. وكان لا يعطى راحة لجسده .... ومع كل هذا كان زاهدآ جدآ فى مأكله حتى أن الطبيب المعالج كان يستعجب جدآ ، وفى هذا قال د. يوسف منصور : أن كميات الطعام التى كان يتناولها لا تكفى بحاجة جسم صبى صغير
وفى أثناء مرضه كان يصوم صومآ انقطاعيآ لا يأكل الا مرة واحدة عند الغروب .. وفى ليالى الأعياد كان طعامه بعد صلاة قداس العيد لا يمكن أن يزيد بأى حال من الأحوال عن طعام أصغر رهبان الدير
ويذكر شماسه الخاص ..انه فى احدى المرات نهض قداسته من سريره وكان يعانى من ارتفاع فى درجة الحرارة وكانت حرارته 40 درجة .. ومع ذلك قام ليصلى التسبحة اليومية ،وعندما رأنى قلق قال لى : أن الصلاة هى طريقى الى كل شئ
وبعدها مباشرة أنخفضت درجة حرارته
لم يعد هذا الجسد قويآ
++++++++++++++
هذا ما قاله عنه قداسة البابا شنودة الثالث حيث يقول : كان البابا كيرلس لا يعطى راحة لجسده وفكره ... لذلك ما أن مرت عليه ثمانى سنوات فى البطريركية الا وتكاثرت عليه الأمراض ولم يعد هذا الجسد قويآ
كما كان فى أول عهده فالنير الشديد الذى تحمله البابا كيرلس كان عظيمآ وسط تجارب متنوعة وضيقات كثيرة
أمراض كان يتحملها فى صمت عجيب دون أن يشكو لأحد ، كان المرض يهزه هزات تقلق الأطباء المعالجين ومع ذلك لم يتكلم
كان يؤمن بأن الله يستطيع أن يتدخل أكثر من الأطباء ويشفى أكثر من الدواء
وظل البابا كيرلس ساهرآ طيلة حياته على رعيته فى صلاة ودموع وجهاد ... وظل على مدى أربعين عامآ واقفآ على المذبح فى القداس الألهى
وهذا ما أكده قداسة البابا شنودة الثالث حيث يقول : لا يوجد فى تاريخ الكنيسة كله انسان يشبه البابا كيرلس أستطاع أن يقيم مثل كل هذه القداسات ولقد حاولت أن احصى عدد القداسات التى أقامها فى حياته فوجدت أنه قد صلى مايزيد عن 12 ألف قداس
الأيام الأخيرة
++++++++
وهنا ننتقل الى الأيام الأخيرة فة حياة البابا كيرلس وكيف تسرب المرض لقداسته بعد هذه الحياة الحافلة بالجهاد والدموع
لقد تسرب المرض لقداسته بعد أن كثرت عليه الأعباء الكثيرة فى رئاسة الكنيسة .. فأصيب بجلطة فى الشريان التاجى الأمامى
وقد صرح بذلك المقر البابوى فى جريدة الأهرام الصادرة فى 24 أكتوبر عام 1970 م
وكان لهذا الخبر أثر كبير جدآ على كل أبناءه مسيحين ومسلمين ... وبعد هذا الأعلان أرسل الرئيس أنور السادات رئيس الجمهورية نخبة من الأطباء المميزين برئاسة الفريق رفاعى كامل للسهر على علاجه
وقد أمر السيد وزير الصحة بتنظيم ثلاث نوبات من الأطباء الأخصائيين من معهد جراحة القلب والصدر لمتابعة حالته
ووضعت لقداسته الأجهزة التى يتطلبها العلاج ، وكان فريق الأطباء قد طلب منع الزيارة منعآ باتآ حتى يستعيد البابا صحته
وبالفعل.... مرت هذه الأزمة بسلام وقد أعلن الأطباء المشرفون على العلاج أن البابا قد أجتاز هذه الأزمة الطارئة ولكنه يحتاج للراحة مدة أخرى
وفى هذه الفترة كان مهتمآ بالسؤال عن قداسته كل أبناءه من الكنيسة القبطية وجميع الطوائف المسيحية رافعين صلواتهم لله لكى يحفظ لهم راعيهم الأمين
أعباء كثيرة
+++++++
وبالرغم من تشديد الأطباء على الراحة التامة وعدم الزيارات الا أن البابا ظل ساهرآ على رعيته فى تعب وجهاد وكان يستقبل زواره وهو فى عمق الألم
ومع كل هذا كان يستقبلهم بمحبة شديدة ويسمع مشاكلهم ويصلى من أجلهم
ومع تزايد هذه الأعباء تمكن المرض من شرايين القلب وهنا منعه الأطباء من الحركة بسبب تعرضه لأزمات قلبية شديدة
وعاد البابا مرة أخرى للفراش وقد أشرف على علاجه مجموعة من الأطباء الأساتذة وكان من بينهم الدكتور ميشيل جرس الذى كان مقيمآ بالبطريركية
توديع أحباءه
+++++++وفى هذه الفترة علم البابا بساعة رحيله وبدأ يعد نفسه ليودع أحباءه الذين عاش معهم بالجسد ... وكانت كل كلماته فى الفترة الأخيرة كلمات وداع .. فماذا قال؟
أنا مسافر وعايز أشوفكم
+++++++++++++++
تقول أحد الأمهات الفاضلات :" أن قداسة البابا كيرلس قد اعتاد أن يلتقى بى وبرئيسات الأديرة كل يوم سبت وكننا فوجئنا يوم الأثنين 8 مارس بقداسة البابا يتصل ويطلب أن يرانا يوم الثلاثاء 9 مارس وقد أردت أن أعتذر حرصآ منى على صحته
فقلت لقداسته... أننا قد نلنا بركتكم يوم السبت ولكن البابا أصر قائلآ
" أنا مسافر وعايز أشوفكم "
وعندما توجهنا لزيارته كرر نفس الكلام " يا أولادى أنا مسافر " وعندما ألحوا عليه أى جهة سيسافر اليها؟
قال :" المكان اللى هسافر له محدش يقدر يجى فيه دلوقتى ....لكن وديع سيخبركم به " وهنا بكت الأم وعرفت أنه سيسافر للسماء
الرب يدبر أموركم
++++++++++
وفى نفس هذا اليوم أستقبل قداسته خمسين زائر من أبنائه وكان من بينهم القمص يوحنا عبد المسيح راعى كنيسة العذراء بروض الفرج
وكانت كلماته أيضآ كلمات وداع ... وبعد أن باركهم قال لهم
" خلوا بالكم من الكنيسة يا أولاد "
ونظر لأبونا يوحنا وقال :" الرب يدبر أموركم "
هنسافر النهاردة يا عزمى
+++++++++++++++
وبعد لحظات دخل اليه عم عزمى ... قبل أن يدخل اليه د.ميشيل جرس المشرف على علاجه
وكرر قداسة البابا نفس الكلام لعم عزمى السائق الخاص لقداسته وقال له
" احنا هنسافر النهاردة يا عزمى يابنى "
فأعتقد عم عزمى أن البابا سيسافر لدير مارمينا .. فقال له : انت تعبان يا سيدنا اجلها يومين تلاته...... ولكن البابا كرر كلامه :" خلاص يابنى هنسافر النهارده" فأجاب عم عزمى : أمرك يا سيدنا ...وخرج وذهب لمنزله ليعد حقيبة سفره ولم يفهم قصد البابا كيرلس
الساعات الأخيرة فى حياة البابا كيرلس
+++++++++++++++++++++++
وقد روى لنا د.ميشيل جرس أحداث الساعات الأخيرة من حياة البابا كيرلس فى صباح
يوم الثلاثاء 9 مارس 1971م وكان مرافقآ لقداسة البابا كيرلس مشرفآ على علاجه فى هذا اليوم الذى رحل فيه قداسته من عالمنا الفانى
يروى د.ميشيل أحداث هذا اليوم بالتفصيل فيقول
ان قداسة البابا صلى صلاة نصف الليل بقلايته كما صلى صلاة باكر فى الساعة الخامسة صباحآ ثم تابع القداس الذى يقام يوميآ بالكنيسة المرقسية عن طريق سماعة موضوعة بقلايته ... وعند السابعة والنصف صباحآ حاولت اجراء الكشف المعتاد ولكنى لم أتمكن لأنشغال البابا ... فحاولت مرة أخرى فى التاسعة الا ربع ولكن البابا أخذ يستقبل زواره
فأنتهزت الفرصة ودخلت قلايته وجهزت له دواء يوم كامل حتى العشاء ..وبعد انصراف الزوار عدت اليه فى الصالون وسألت عن صحته .. فأجاب بأنه لا يشكو شيئآ
وقلت له انى الاحظ أن قداستك مشرق وبصحة جيدة ..... فشكر الله
كان منشرحآ جدآ
++++++++++
ثم قمت بفحصه فحصآ كاملآ فوجدته على مايرام وكان منشرحآ جدآ ... وأخذ يحدثنى عن عملى وعن عائلتى وسألنى عن تحليل "البصاق" الذى حان موعده وقال نكلم الدكتور لاحضار أنبوبة معقمة ...وحاولت اقناعه بأستخدام أنبوبة عادية بعد تعقيمها بمعرفتى ... فرفض فقمت لأطلب د.رمسيس فرج طبيب التحاليل لاحضار أنبوبة
وقبل أن أدير قرص التليفون تذكرت ان معى رسالة لقداسته من سيدة مريضة فعدت وأبلغته بها وأعطيته الورقة المدون بها الاسم والتشخيص فوضعها فى جيبه ومشيت معه حتى القلاية
اللحظات الأخيرة
++++++++++
ثم عدت أطلب د.رمسيس وقبل أن أطلب منه الأنبوبة جاءنى فهمى (شماس البابا) مسرعآ ومنزعجآ وهو يقول :" سيدنا تعبان" فتركت السماعة دون أن أرد عليه وأسرعت الى قلايته حيث وجدت قداسته جالسآ على الأرض وظهره مستندآ على الحائط ولم يتمكن من الأجابة على أسئلتى
آخر حبة دواء
++++++++
ثم حاولت رفعه عن الأرض فلم أتمكن .. وفى يده وجدت أخر حبة دواء ..كانت أنفاسه مضطربه مع انخفاض النبض والضغط
أعطيته حقنة لعلاج الهبوط المفاجئ وهو فى موضعه ثم رفعته الى السرير أنا وفهمى ، وأستكملت بقية الأسعافات تدليك القلب بعد أن توقف حوالى دقيقة وأجريت له تنفسآ صناعيآ
ولكن لم أشعر بالنبض ولم تصدر منه أى أستجابة .. ولم أصدق أن تكون النهاية بهذه السهولة
فى هذا الوقت توالى حضور عدد كبير من الأطباء الى المقر البابوى ومجموعة كبيرة من أطباء معهد القلب بصحبتهم سيارة مزودة بأجهزة علاج بالصدمات الكهربائية وبعد محاولات كثيرة اكتشفوا أن الحالة ميئوس منها
نياحة البابا كيرلس
+++++++++++
وفى الساعة الحادية عشرة والنصف صباحآ أعلن نبأ وفاة قداسة البابا كيرلس السادس وكان وقوع هذا الخبر كالصاعقة على نفوس أبنائه
وكان الجميع فى حالة زهول وبكاء شديد من هول الصدمة القاسية فقد رحل راعى الكنيسة الذى كان ساهرآ على نفوس أبنائه
وجاء سائق قداسته عم عزمى سائق قداسته وهو يبكى قائلآ
" مكنتش أعرف أنه يقصد هيسافر السماء"
ورجعت الأمهات وهن يتذكرن كلامه عن سفره وأصراره على وداعهم ورؤيتهم وسالت الدموع وحزنت القلوب
الأجراس الحزينة
++++++++++
ودقت أجراس الكنائس الحزينة لتؤكد خبر رحيل قداسة البابا كيرلس ، فأهتزت مشاعر الجماهير مسيحين ومسلمين .. لقد رحل الأب الحنون الذى سهر على نفوس أبنائه ... وأسرعت الجماهير فى سباق الى الكاتدرائية المرقسية والجميع فى حالة زهول من هول الصدمة
وأحتشدت الجماهير حول الكاتدرائية التى اتشحت بالسواد حزنآ على رحيل الراعى الأمين .. وظلت الأجراس تدق دقاتها الحزينة دون توقف فى جميع الكنائس وتقرر الحداد فى كل الكنائس الأرثوذكسية أربعين يومآ
النظرة الأخيرة
+++++++++
فى هذه الأوقات قامت مجموعة من الأطباء بتحنيط جثمان البابا كيرلس ودهنه بالطيب
ثم البسوه ملابسه الكهنوتية وأجلسوه على الكرسى المرقسى فى الكاتدرائية المرقسية بكلوت بك
وظلت الجماهير تتقاطر لتودع راعيها الأمين .. وأحتشدت الألاف أمام الكاتدرائية وتعطلت الشوارع من كثرة الناس وظلوا ساهرين بجوار جثمانه الطاهر وهم فى تأثر شديد وغير مصدقين
وكان من الصعب عليهم أن يحرموا من نبع القداسة الذى أحتضنهم فى حب عجيب
صعب عليهم أن يحرموا من صاحب القداس اليومى وصاحب القلب الكبير
كيف احتملوا أن يروه جالسآ ولا يتكلم معهم؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
نعى الكنيسة
+++++++++
وقد كتبت الكنيسة فى الصحف هذا النعى
تنعى البطريركية القبطية الأرثوذكسية ببالغ الأسف قداسة راعيها الأول مثلث الرحمات وطيب الذكر البابا الأنبا كيرلس السادس بابا الأسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الذى أنتقل للأمجاد السماوية فى الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم الثلاثاء الموافق 9 مارس 1971 م وتكون مدة رئاسته 11 عامآ و7 شهور و29 يومآ
وقد بذل العاملين بجريدة الأهرام مجهود شديد ... وتوالت الجريدة تنشر نعى قداسة البابا كيرلس لمدة 6 شهور متوالية حتى قيل أن نعى البابا كيرلس كان أكبر وأطول نعى فى تاريخ مصر
وصية البابا كيرلس
+++++++++++
وبعد دفن جثمان البابا كيرلس بجوار القديس مرقس الرسول بالكاتدرائية المرقسية لفترة قصيرة أمر قداسة البابا شنودة الثالث بتنفيذ وصية البابا كيرلس التى تنص على دفنه فى دير حبيبه مارمينا بمريوط
وفى يوم 22 نوفمبر عام 1972م أحتفلت الكنيسة بنقل جسد البابا كيرلس وصلى قداسة البابا شنودة الثالث صلاة رفع بخور عشية ثم قرأ على الجميع الوصية التى كان ملخصها بخصوص هذا الشأن
" أوصى بعد أنتقالى أن يدفن جسدى بالمدفن الذى تحت الكنيسة بدير مارمينا بصحراء مريوط ويدفن بالملابس التى تكون على جسدى ولا لزوم لغيرها
كل من أطلع على هذه الوصية وعثر عليها فلا يخفيها ولا يخالف ما به ومن خالف هذه الوصية يكون محرومآ من فم الثالوث الأقدس الأب والأبن والروح القدس وفم الرسل والقديسين وفم حقارتى ويكون على شمال المسيح وعلى ابن الطاعة تحل البركة"
وفى صباح يوم 23 نوفمبر نقل الجسد المبارك فى احتفال مهيب لدير القديس مارمينا العجايبى بمريوط
وهناك حمله ابنائه بفرح عظيم وطيف به فى الدير ووضع فى مزار خاص
ولازال ابناءه يذهبون اليه فى أفواج لا تنقطع ليتباركوا من جسده الطاهر
بركة صلوات القديس العظيم البابا كيرلس السادس تكون معنا
ولربنا المجد الدائم الى الأبد آمين