رهبنته حكى الأنبا اسحق رئيس دير القلمون والأب الروحي لرهبان المنطقة كلها، أنشابًا جاء إليه طالبًا الرهبنة والعبادة والتأمل، وهو من إحدى قرى الصعيد، فعرَّفهالأنبا اسحق بصعوبة الطريق ومخاطره، وأنه يحتاج لصبرٍ وقوة احتمال، وأنه سوف يواجهتجارب متنوعة. أصرّ الشاب على الطريق الذي اختاره، فقام الأنبا اسحق ودعا الرهبانليقبلوه، ثم ألبسه إسكيم الرهبنة وأسماه غاليون. كان الراهب غاليون يجتهد فيالصلوات ليل نهار دون انقطاع، وكان يتحلى بالفضائل المقدسة، ويُتعِب نفسه بالنسكوالزهد، حتى أنه كان يتناول طعامه مرة واحدة في الأسبوع. موهبة الصوت الجهوري كانذا صوت جهوري فعُيِّن قارئًا للدير. وكان يقرأ على الآباء من البستان عند اجتماعهمحول مائدة الطعام، وكذلك القراءات الكنسية أثناء صلوات القداس والتسابيح والطقوسالمختلفة، فأصبح معلّمًا لكثير من الأخوة. حياة السكون والوحدة بمرور الوقت ومعنموه الروحي أظهر الرب الكثير من الآيات والعجائب على يديه، فكان يشفي المرضىويُبرئ الأسقام. مع نشاطه المجمعي ومحبته للخدمة كان يميل إلى حياة السكون والوحدةوالقراءة والتأمل والصلاة في قلايته، ولم يختلط بالاخوة إلا أثناء الصلوات العامةفقط. وهكذا استمر في حياته داخل الدير حتى صار شيخًا ضعيف البنية ولكن قوي بالروح.الشيطان يجرّبه حسده الشيطان على فضائله وتعبه وحبه للمسيح الذي ملك قلبه، فأتى لهليلاً وهو خارج قلايته متأمّلاً مسبحًا، وظهر له في شكل راهبٍ سائحٍ، وقال له: "إننا جماعة من السواح عددنا اثنا عشر راهبًا، وقد مات واحد منا اليوم لذلك ندعوكأن تكمّل عددنا أيها الحبيب، فأنت ناسك وعابد تقي محب للاخوة وزاهد للعالم،ّ لذلكأنت مستحق أن تكون سائحًا معنا". ثم توارى عنه عدو الخير، قَبِل القديس هذا الفكرظانًا أن اللّه أرسل له هذا الملاك ليدعوه إلى السياحة المقدسة، فأخذ عكازه وخرجإلى البرية دون أن يراه أحد، وسار قليلاً حتى وجد أحد عشر رجلاً من جند إبليس فيشكل رهبان، فمضى إليهم وسار وراءهم إلى البرية الداخلية إلى أن انتصف نهار اليومالتالي. وهناك على جبل ليس به طعام أو ماء تركوه وجلسوا يهزأون به. سمعهم يقولون: "لقد اصطدنا في هذه الليلة صيدًا سمينًا. لقد سقط رجل اللّه غليون صاحب الآياتوالمعجزات، الشيخ الناسك والزاهد العابد". فانتبه من غفلته وأدرك حيلة الشيطان فرشمذاته بعلامة الصليب المقدسة وهو يصرخ مصليًا بالمزامير. صرخ قائلاً: "أخرجني منشدائدي، أنظر إلى ذُلي وتعبي واغفر لي جميع خطاياي. أنظر إلى أعدائي، لأنهم قدكثروا وأبغضوني ظلمًا. احفظ نفسي ونجّني" (مز17:25-20)، فصاروا دخانًا أسود. مجّدالأب غاليون الرب القدوس قائلاً: "أعظمك يا رب لأنك انتشلتني ولم تشمّت بي أعدائي.أيها الرب إلهي صرخت إليك فشفيتني. يا رب أصعدت من الجحيم نفسي، وخلصتني منالهابطين في الجب" (مز29: 1-2). افتقاد الرب له وجد القديس نفسه وحيدًا وتائهًا فيالجبل، إذ لا يوجد طريق ولا إنسان أو أي دليل يهديه إلى ديره ثانية، فوقف وصلى إلىاللّه وحينئذ سمع أصوات صلاة وتسبيح تشبه أصوات الملائكة، ثم رأى ثلاثة آباء منالرهبان السواح، وبعد أن سلموا على بعضهم عرف أنهم رهبان من دير القديس أنبا شنودةرئيس المتوحدين وأن الرب أرسلهم لينقذوه، فشكر الرب ثم أقام القديس غاليون معهم سنةكاملة. عودته إلى الدير وفي إحدى الليالي قال له أحد الآباء المرافقين له: "عُد إلىديرك مرة ثانية"، فسألهم غاليون: "لماذا؟ هل أخطأت في شيء؟" فأجابوه قائلين: "لا،ولكن أباك اسحق سأل الرب يسوع أن يراك قبل نياحتك. فَقُم وأسرع وامضِ إليه". وإذكان لا يعرف الطريق سألوه أن يتبعهم حتى رأى ديره فودّعوه ومضوا. سار غاليون نحوالدير وطرق الباب ففتح له أبوه الأنبا اسحق واستقبله بفرحٍ ثم قصَّ غاليون على أبيهكل ما حدث له. وإذ كان غاليون يعرف موعد انتقاله أخذ راهبًا صغير السن ليعلمه ترتيبوطقس الكنيسة وألحانها، ثم ضَمَّ هذا الراهب الذي كان يدعى موسى إلى صدره وقال له: "اقبل مني الروح الذي في داخلي من الآن وحتى اليوم السابع حيث أتنيّح". ولما دناوقت النياحة اجتمع آباء الدير مع الأنبا اسحق وودعهم بسلام وأسلم روحه بين يديالسيد المسيح.
من الآباء السواح،
من الآباء السواح،