...عاشت ماريا أياما قاسية أثناء الحرب العالمية في يوغسلافيا، فكانت تستيقظ على صوت آلات الحرب الرهيبة والقتل والتدمير، فتعرضت هي وابنها للفقر والحرمان وللسجن عدة مرات، فماذا كانت تعمل ماريا؟ لم تكن تعرف طريقا للخلاص من المخاطر والألم سوى الصلاة، فكانت ترفع صلاتها بإيمان شديد واثقة إن الله لا يرفض لها طلبا حتى عرفت بالمرأة المصلية. وفي إحدى الليالي أتى جنود الأعداء واقتحموا المنازل وجروها هي وجيرانها على السجن وهي تتضرع لهمأن تأخذ ابنها الطفل الوحيد معها فلم يقبلوا...... وألقوا بها مع إخوانها في السجن فركعت تصلي قائلة يا إلهي الحبيب أحبك على الرغم من المدافع والدبابات، أحبك في الحرب كما أحبك في السلم، أحبك ولو كان ابني الوحيد بعيدا عني، أحبك حتى لو شئت ألا أراه ثانية .... أشكرك لأنك رفعتني فوق البؤس والجوع والبرد وكل ما في هذا العالم. ولما خرجت من السجن ورأت ابنها سليما، مجدت الله وشكرته. وفي ليلة لم تجد ماريا طعاما لابنها، فبحثت في القمامة حتى وجدت لقمة عيش فلم يرد ابنها أن يأكلها، فقالت له: يا بني أشكر الله على هذا الذي يبقينا على قيد الحياة في أحد الليالي وهي راكعة تصلي في الوحدة الطبية التي كانت تعمل بها ممرضة، إذا بأحد الضباط يشهر مسدسه في وجهها شاتما إياها لكي تسكت عن الصلاة، وقال لها ساخرا: هل تعجبك الحرب حتى تشكر يعليها إلهك فأجابته لولا الحرب ربما كنت لا أصلي فهي التي قربتني من الله، فاستشاط غضبا وهو يقولها: أنت مجنونة. وإذا بأحد الجنود وقد نهشه الجوع يدمدم قائلا: آه لو أستطيع الحصول على أكلة مهلبية ّ! يا إلهي لن أتوانى عن إعطاء أي شيء مقابل تلك الأكلة. سمعت ماريا هذه الكلمات، فجرى بينهما هذا الحديث. - أي شيء تعطيه مقابل هذه الوجبة يا أخي لله إذا أحضر لك ما تريد؟ - أي شيء تريدينه ولكن هل السماء تمطر مهلبية، هل أنت مجنونة يا امرأة؟ - أجب عن سؤالي من فضلك. - أعدك بالذهاب للكنيسة يوم الأحد إذا أعطاني إلهك مهلبية ثم ضحك الجندي بأعلى صوته كأنه يقول نكتة ثم أردف قائلا: هذا إذا لم أمت في هذه الحرب بالطبع. - هل تعد الله أن ترجع إليه من الليلة؟ فهو يريد قلبك ولا شيء آخر. قال لها الجندي وهو يشعر بارتباك من الثقة والجدية التي تتكلم بها: نعم أعدك. دخلت ماريا حجرتها وظلت تصلي وتصلي، وفي هذه الليلة أسقطت طائرات الإغاثة لأول مرة منذ بدء الحرب إعانات على شكل رزم من الطعام والدواء والملابس. ولما فتح الجندي رزمته وجد بها خبز ولحم وبلوفر وعلبة صغيرة، ففتح العلبة بلهفة......وانعقد حاجبيه ووقف شعر رأسه وانسالت دموعه غزيرة من مقلتيه من شدة المفاجأة، فها هي المهلبية التي وعدته بها المرأة المصلية. نسى الجندي أن يأكل المهلبية التي طالما اشتهاها وذهب مسرعا إلى ماريا المرأة المصلية وهو يقول لها متعجبا: هل إلى هذا الحد إلهك العظيم يستجيب إلى الصلاة لهذه الرغبات التافهة لإنسان خاطئ مثلي؟ أجابته بسعادة بالغة:
إن إلهي العظيم مستعد أن يعمل أي شيء ليرجع أولاده إليه، لقد بذل نفسه لأجلهم. ركع الجندي وهو يقول متأثرا: اقبلني يا أعظم إله.