أشياء لا يمكن أن يفعلها الله




قديماً قال رجل الله الذي على الأرجح أنه ينتمي إلى العرب "أيوب" هذه العبارة الخالدة: "قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ تَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ، وَلاَ يَعْسُرُ عَلَيْكَ أَمْرٌ" (أيوب 42: 2).
وكلنا يثق في قدرة الله غير المحدودة.. ولكننا في الواقع نفهم معنى قدرته على كل شيء بصورة ليست دقيقة،   لأنه بالرغم من هذه القدرة الفائقة المُطلقة إلا أن الله يوجد أشياء لا يمكن أن يفعلها على أي وضع من الأوضاع. فالقدرة شيء، والسلوك والعمل شيء آخر.
صديقي: هل تتهمني بالكفر
اقرأ ووازن الأمور، وبعدها احكم.
فهناك أشياء يقدر الله أن يعملها، لأنها ببساطة تندرج تحت عبارة (كل شيء) ولكن في نفس الوقت لا يمكن أن تتناسب مع طبيعة الله، وبالتالي هو لا يمكن أن يفعلها..
لنر نماذج من هذه الأشياء:
الفوضى:
الله لا بد أن يُنشيء نظاماً في الكون، فالفوضى لا تتناسق مع الله وصفاته، فتجد أن الكون متجانس ومنظم إلى أبعد ما يكون التنظيم، الكواكب لها مسارات والنجوم تجري في مجرات وكل شيء له نظام.. كل شيء له بداية وله نهاية، له ميلاد وله وقت للموت.. أجيال تتابع في تناسق عجيب.. خليقة تعتمد على خليقة أخرى في معيشتها.. تستمد حياتها بإنهاء حياة خليقة أخرى.. وهذا ما نسميه دورة الحياة، كل ما في الكون يتناسق مع بعضه.
فالفوضى ضد تكوين الله وضد طبيعته وسماته.. الفوضى تكونت بسبب وجود الخطية، لأن الخطية في العصيان على الخالق والتمرد عليه، وبالتالي التمرد على  ذلك النظام الذي كونه الله.
لا بد من وجود دستور
الشيء الثاني الذي لا يعمله الله هو السلوك بمزاجية، الله لا يتصف بالمزاجية.. يفعل ما يريده وما يخطر له وفي أي وقت يريده.. بل عندما يخلق، ينظم دستوراً لتلك الخليقة تسير عليه.. لأنه كما قلنا في النقطة الأولى هو إله نظام.. كل خليقته منذ البداية تسير على دستوراً.. ونلاحظ أن الله عندما خلق آدم أعطاه دستور يسير على هداه.. افعل هذا ولا تفعل هذا.. إذا سرت بطاعة تصبح الأمور على ما يرام.. أما إذا خالفت الدستور فلا بد من وجود عقاب. هذا أساسي في طبيعة الله.
الشر ليس من صفات الله
            وبالتالي هو لا يفعل الشر.. هو لا يستطيع أن يفعل الشر .. فكيف جاء الشر إذاً الى العالم؟ جاء "باحتجاب الله".
ما معني هذه الكلمة؟ الأمر ببساطة أنه بمخالفة كائنات الله دستوره صنعت جداراً فصل بينها وبين الله، فبغياب الله عن المشهد وُجِد الشر ..
عندما جاءت الحية تقول لحواء: "اللهُ عَالِمٌ أَنَّهُ يَوْمَ تَأْكُلاَنِ مِنْهُ {من الشجرة التي أوصى الله بعدم الأكل منها} تَنْفَتِحُ أَعْيُنُكُمَا وَتَكُونَانِ كَاللهِ عَارِفَيْنِ الْخَيْرَ وَالشَّرَّ" (تكوين 3: 5) كانت تكذب في شيء هام وهو أن الله يعرف الشر.
فالله لا يعرف الشر، لذلك عندما أكل آدم وحواء لم يصيرا كالله، لأنهما عرفا الشر الذي لا يعرفه الله، فالمعرفة هنا اختبار وممارسة، والله لا يعرف مثل هذا الاختبار،
الإِنْسَانٌ عندما عرف الشر عن طريق العصيان والممارسة أوجد الإِنْسَانٌ الشر في حياته. خلقه بعد أن تمرد على دستور الله. وهنا كانت الخدعة.
الله لا يمكن أن يكون إلا عادلاً
والعدل بمعناه هو أن من يخرج عن دستور الله يعاقب.. ذلك العقاب الذي حدده الله عند إنشاء الدستور. ذلك العقاب الذي لا بد أن يكون معروفاً قبل اقتراف الخطأ وليس بعده. لذلك هو أعلنه للإِنْسَانٌ من قبل.
وكما قلت من قبل إذا سرت وفق ما حدده الله فإن الأمور ستكون على ما يرام (لا أقول أن هناك مكافأة لأنك تفعل ما عليك).
فآدم مثلا عاش في سعادة وهناء دون أن ينتظر مكافأة وهو يعمل ما عليه.. لأنه كان داخل مشيئة الله وإرادته فلا ينتظر المكافأة أساساً.
أما بعد الخطأ فبحسب دستور الله وعدله لا بد من العقاب والله لا يقدر إلا أن يكون عادلاً. لذلك العقاب أمر حتمي. ولكن تكمن المشكلة في صفة أخرى ضمن طبيعة الله لابد أن ندرسها وهي:
الله لا يمكن أن يكون الا محباً رحيماً
تلك المحبة الشفوق الحنون التي ترفض الأذى للإِنْسَانٌ حتى وإن أخطأ.. المحبة التي تريد أن تفعل أي شيء في سبيل إنقاذ الإِنْسَانٌ من المصير المحتوم.. المحبة التي تحاول أن تؤجل عقاب الله يوماً بعد يوم عن طريق تقديم البدائل والذبائح في وقت العهد القديم حتى تؤجل العقاب إلى حين.. المحبة التي لا تطلب ما لنفسها والمضحية والباذلة في سبيل من تحب.
وهنا تكمن المشكلة الصعبة، كيف يلتقي عدل الله الذي يجب أن يضع الإنسان تحت القصاص بسبب تمرده وعصيانه، ومحبة الله ورحمته التي تريد للإنسان أن يستمر في حياته وعلاقته مع الله، لا بد أن يحدث التقاء بين عدل الله ورحمته. لا بد أن تحل هذه المعادلة الصعبة، وهذا هو دور الصليب. 
بدون صليب لا يمكن أن تلتقي الرحمة والعدل
فالقارئ للمقال جيداً يفهم أنه توجد صفتان لا بد من التوفيق بينهما هما الرحمة والعدل وذلك لأن الله لا يمكن أن يكون غير عادل.. لذلك الله لا يمكن أن يقول قد غفرنا لك ذنبك دون نظام متعدياً على دستور هو واضعه.. ودون أن يمارس عدله.
إلهنا إله نظام
إلهنا يسير وفقا لمعايير ودستور
إلهنا لا يمارس الشر
وهو عادل
ورحيم
وفي الصليب فقط الرحمة والعدل تلاقيا.. هل أدركت أهمية الصليب؟